رئيسة المجلس النسائي اللبناني
الأستاذة عدلا سبليني زين*
في اليوم العالمي للسكان
في 11 تموز/2025
____________________________________
في هذا اليوم الذي يحتفل العالم بــ“اليوم العالمي للسكان”، نقف نحن في هذا البلد المنهك تحت وطأة أزمات متراكمة، نعيد النظر فيما تبقى من قوّتنا المجتمعية، وفي كيف يمكن للإنسان وهو عماد الوطن أن يكون جوهر الإنطلاق، لا مجرد رقم في سجلات الإحصاء.
إنه يومٌ يذكرنا أن خلف كل رقم هناك إنسان وحلم وألم وأمل. لكن في بلدنا المنهار إقتصادياً وماليا، والمثقل بالأزمات الأمنية والتربوية والصحية و… يصبح هذا اليوم مناسبة حرجة نعيد فيها التفكير في موقع الإنسان من مع أدلة الوطن.
إن التحدي السكاني في بلدنا لا يشبه تحدي الدول المستقرَّة، هنا السُّكان يعيشون في ظلّ بنية تحتية منهارة، مدارس تفتقر للمعلّمين والكتب، مستشفيات بلا دواء، أسرٌ مسحوقة بين الغلاء واليأس، شبابٌ مهاجرٌ تنخرُهُ البطالة يبحثُ عن كرامة مفقودة.
لقد تحوَّل الإنسان في هذا البلد من أداة للتنمية، إلى ضحية لإنعدام السياسات وغياب الرؤية وتراكم الأزمات والفساد. والمقلقُ أن يتمَّ التعامل مع السُّكان كعبء ثقيل أو مجرَّد أرقام في تقارير دوليَّة، بينما الحقيقة أنّ الإنسان هو الحلّ لا المشكلة.
إننا في المجلس النسائي اللبناني نرى أنّ في هذا اليوم، نُطلق صرخةً عاجلةً ونداءً جادًا لإطلاق جرس الإنذار، تأكيدًا على ضرورة إعادة النظر في السياسات السكانية من منظور شامل وإنساني:
أولاً، لا يمكن تحقيق تنمية سكانية عادلة وشاملة من دون الاعتراف بأنّ المرأة ليست مجرد متلقية لهذه السياسات، بل هي شريكة فاعلة في صياغتها وتنفيذها. فتمكين المرأة وضمان حقوقها الكاملة هو حجر الأساس لأي نهج سكاني منصف. نقولها بوضوح: لا تنمية سكانية من دون حقوق كاملة للمرأة.
ثانياً، ورغم الانهيارات المتراكمة، يبقى الاستثمار في التعليم ضرورة لا يمكن التراجع عنها، لأن جهل السكان أخطر بكثير من فقرهم، ولأنّ بناء الإنسان يبدأ من المعرفة.
ثالثاً، لا بدّ من إصلاح السياسات الصحية، مهما كانت الإمكانات شحيحة، لأن ضعف الإنسان في صحته هو ضعف للمجتمع بأسره، ولا كرامة لبلد يُترك فيه المواطن فريسةً للمرض والعجز.
كما نؤكد على أولوية حماية النساء، والأطفال، وكبار السن، والعمّال، فهؤلاء هم الفئات الأكثر هشاشة، ورعاية الأضعف هي المعيار الحقيقي للعدالة السكانية.
إنّ وجود ملايين المواطنين في حالة هشاشة دائمة ليس قدرا، بل نتيجة سياسات خاطئة كان يُمكن تجنبها. واليوم لا نملك رفاهية الوقت أو الترف السياسيّ، ما نملكه فقط هو الإنسان بوعيه مرونته وقدرته على النهوض من الحطام.
آن الأوان لإعادة رسم السياسات السكانية على أساس الكرامة والحق وتكافؤ الفرص، لا على منطق التمييز والإهمال والمحسوبيّات. فالمجتمع العادل هو ذاك الذي يُبنى على احترام الإنسان، كل إنسان.
إننا كمجلس نسائي يُعنى بالشأن الإنساني، الإجتماعي والوطني، نرى أنَّ مستقبل هذا المبدأ يبدأ من رؤية سكانية إنقاذية تبنى على فهم عميق لحاجات الناس لا على فرض خطط منفصلة عن واقعهم وغير قابلة للتنفيذ.
ونؤكد أيضا على أنّ كل فرد قادر على أن يكون شريكا في الإنقاذ، إذا ما منح فرصة التعليم والصحة والكرامة والأمن والأمان وفرص العمل. وفي هذا اليوم نرفع الصوت لا الشعارات: أنقذوا الإنسان قبل أن تحسبوه رقماً. وأعيد بناء المواطن قبل بناء الجدران. لنصنع من الأزمة فرصة ومن السكان محرّضا للنهوض لا ضحية للإنهيار. إن كنّا لا نملك المال، فلدينا الإرادة، وإن إنهارت المؤسسات فالإنسان ما زال قائماً، ولن يبنى وطن دون سكان يتمتعون بالكرامة لا مجرد أحياء وأرقام.
كلّ عام والإنسان أولاً.